حكم الرجوع في البيع بعد أخذ العربون؟

  1. السؤال: أفتونا في هذا الموضوع: هناك وقف تابع للمسجد تم الاتفاق مع أحد أصحاب المطاعم لاستئجاره وفق عقد تم بحثه لعدة أسابيع، وتم التوقيع عليه ودفع العربون، ولكن فجاءة تقدم آخر بعرض ضعف العرض الأول، والآن بعض أعضاء لجنة المركز تضغط لإلغاء العرض الأول وقبول الثاني بسبب زياده المبلغ؛ دون النظر إذا كان هذا التصرف مقبول شرعا أم لا؟ فهما الحكم مشكورا؟

 

ملخص الفتوى:

فبيع العربون وإجارته الصحيح فيه الجواز، وإذا تم الاتفاق على البيع أو الإجارة عن طريق ما يسمى بالعربون فلا يجوز الرجوع، لأن المسلم إذا قال صدق وإذا وعد وفّى، ولكن إذا كان في البيع غبن ظاهر، فيجب الرجوع إلى البائع أو المشتري، وبيان ما في البيع من غبن، ومن الممكن أن يستعان في ذلك بأهل الخبرة، وإذا كانت المالك (مؤسسة إسلامية)، والمستأجر غير مسلم فعلى المؤسسة أن تراعي الصورة العامة للمسلمين حتى وإن كان في ذلك خسارة…

الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد

فهذه مسألة مهمة يجب الالتزام فيها بأحكام الشرع، وهي تدور حول بيان حكم الشرع في بيع العربون وإجارته، وهل يجوز الرجوع فيه أم لا؟! وسأبين ذلك على هذا النحو إن شاء الله:

  • بيع العربون وحكمه:

فما يسمى ببيع (العُرْبون) جاء في تعريفه: أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهما أو غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع… (المغني لابن قدامة (4/ 175)

   وأما حكمه؛ فهو من البيوع المختلف فيها، قال أحمد بجوازه، وهو قول عدد من السلف. والجمهور على منعه، قال ابن قدامة: قال أحمد لا بأس به وفعله عمر رضي الله عنه، وعن ابن عمر أنه أجازه، وقال ابن سيرين لا بأس به، وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين لا بأس إذا كره السلعة أن يردها يرد معها شيئا… واختار أبو الخطاب أنه لا يصح وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي (المغني لابن قدامة (4/ 175). وقد استدل المانعون بما رواه أحمد وابن ماجه عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: ” نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْعُرْبَانِ”، لكن الحديث ضعفه أهل الصنعة قديما وحديثا.

والصحيح جواز بيع العربون إذا ضبط بشروط، وبه قال مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة، جاء في قراراته: يَجوزُ بَيْعُ العُرْبونِ إذا قُيِّدت فتْرةُ الانتظارِ بزَمنٍ مَحدودٍ، ويُحتسَبُ العُرْبونُ جُزءًا مِن الثَّمنِ إذا تمَّ الشِّراءُ، ويكونُ مِن حقِّ البائعِ إذا عدَلَ المشْتري عن الشِّراءِ…) (مجلة مَجْمَع الفِقه الإسلامي الدولي – الدورة الثامنة/ 1/ 793).

وقد استدل المبيحون بفعل عمر رضي الله حين اشترى دار صفوان، روى البيهقي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ قَالَ: ” اشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ دَارَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَرْبَعِمِائَةٍ، دَارُ السِّجْنِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنْ رَضِيَهَا وَإِنْ كَرِهَهَا، أَعْطَى نَافِعٌ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ أَرْبَعَمِائَةٍ… (السنن الكبرى للبيهقي (6/ 57)، ونقل ابن قدامة أن الأثرم قال: قلت لأحمد تذهب إليه؟ قال أي شيء أقل؟ هذا عمر – رضي الله عنه – (المغني لابن قدامة (4/ 176).

  • إجارة العربون:

وما يقال في بيع العربون يقال في إجارة العربون، لأن الإجارة هي بيع منفعة.

هل يجوز الرجوع في بيع العربون، وهل يأثم المرء إن فعل ذلك؟

إذا تم البيع فلا يجوز للبائع الرجوع في بيعته، حتى وإن كان البيع أو الإجارة شفهيا لا كتابة، فهو وإن لم يكن هناك مساءة قانونية إلا أنه ديانة لا يجوز للمرء الإقدام على ذلك، وقد روى الشيخان عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، – أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا – فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا”، وحيث أن الإجارة تمت وقام الناس على ذلك، فلا يجوز الخلف لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، ولكون خلف الوعد من صفات المنافقين، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ”.

الجلوس مع المستأجر مطلوب:

فإذا كانت الأجرة الأولى فيها غبن، ولم يكن المستأجر الثاني يبحث عن مصلحته دون مصلحة غيره، فيجب النظر في ذلك، ويمكن أن يخاطب القائمون على الإدارة الطرف الآخر بأن هذه مؤسسة غير ربحية، وأنها قائمة لتقديم الخدمات للمجتمع الأمريكي المسلم وغيره كذلك، وأن في هذه الإجارة حقوقا تضيع، وإن كان المستأجر مسلما فليذكر بما رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا، أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (صححه الألباني) وفي زوائد ابن حبان “من أقَال مُسلما بيعَته أقاله الله عثرته يَوْم الْقِيَامَة”.

 مراعاة الصورة العامة للجالية المسلمة إن كان المستأجر غير مسلم:

وإذا كان المستأجر غير مسلم فيجب أن تراعى الصورة العامة للجالية، وهذا يعني أن نراعي فقه المآلات، فقد تخسر الجالية بضعة آلاف خير لها من أن تهتز صورتها أمام الغير، وهذا هو الفقه المطلوب، وقد قال ربنا: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]، وروى الشيخان في قصة ابن سلول: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا، لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ نَقْتُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الخَبِيثَ؟ لِعَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»، وهذا ما كان منه صلى الله عليه وسلم حين سألته عائشة عن البيت الحرام وما فيه من نقصان، روى مسلم”يَا عَائِشَةُ، لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِشِرْكٍ، لَهَدَمْتُ الْكَعْبَةَ، فَأَلْزَقْتُهَا بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا، وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا اقْتَصَرَتْهَا حَيْثُ بَنَتِ الْكَعْبَةَ”.

هذا والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*