قبول المعلم المسلم الهدايا من غير المسلمين في أسبوع تقدير المعلمين

السؤال: فضيلة الشيخ الدكتور: في كثير من المدارس الأمريكية هناك أسبوع يسمى أسبوع تقدير المدرسين و وفيه يأتي الاولاد بهدايا عينية أو حتى نقدية للمدرسين وكان السؤال هل يجوز للمدرس المسلم أن يقبل من تلميذه هدية، وخصوصا أن البعض أخبرنا بأن هناك من يقول بالحرمة لهذا الفعل لأن النهي صلى الله عليه وسلم نهى العمال عن قبول الهدايا، والسؤال هنا: هل يجوز هذه الهدية أم لا؟ وجزاكم الله خيرا؟؟

ملخص الفتوى:
لا مانع من تخصيص يوم او أسبوع يكرم فيه المعلم، وتقليد الغرب في ذلك جائز، لأنه لا علاقة له بالدين، ولا مانع من قبول الهدية من غير المسلم، وهدايا العمال تدخل في باب الرشوة إن كانت ستؤثر على أداء وظيفتهم، ولكن إذا لم تؤثر فلا مانع، وعليه فيجوز للمعلم أن يقبل هدية تلميذه، ما لم يكن هناك تأثير على درجات الطلاب، وما لم يكن ذلك مخالفا لقوانين البلاد…

الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
فشكر الله للسائل حسن الصنيع من مراسلة أهل العلم، وأسأل الله أن يرزقه الرزق الحلال، وبخصوص المسألة فإني أبين ذلك على هذا النحو:
أولا: تخصيص أسبوع أو يوم لتكريم المعلم عادة حسن:
وأقول إن هذا الفعل الذي به يخصص يوم أو أسبوع لتكريم المعلم ماديا أو معنويا يدخل في باب العادات الطيبة، ولا مانع من أن ينقلها المسلمون إلى ثقافتهم، فهي تدخل في باب العادات لا العبادات، وما كان كذلك فالأمر فيه واسع، وليس كما في العبادات، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، وقد كان للعرب ما لهم من العادات النبيلة فأقرها الإسلام. ولا يدخل هذا في النهي الذي جاء فيما رواه أبو داود (وصححه الألباني) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». وذلك أن التشبه المنهي عنه هو الذي يوافق فيه الظاهر الباطن، قال بهذا المناوي في فيض القدير: تشبه بقوم: أي تزيا في ظاهره بزيهم، وفي تعرفه بفعلهم، وفي تخلقه بخلقهم…. (فيض القدير (6/ 104). ويضاف إلى ذلك ما كان تشبها بهم في دينهم وشرائعهم، ولا أحسب أن هذا الاحتفال يدخل في هذا الباب.

ثانيا الأصل قبول الهدية من المسلم وغيره:
أما من المسلم فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الهدية طريق المحبة بين المسلمين، ففي الصحيح عند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»، وفي المسند عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” َتهَادَوْا، فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَغَرَ الصَّدْرِ” (قال محققو المسند: حديث حسن). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية مهما كان قدرها أو قيمتها، روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ».
وأما قبول هدية غير المسلم فهو مشروع ولم يأت دليل بالمنع، بل جاءت الأحاديث بقبول النبي صلى الله عليه وسلم هدايا غير واحد من غير المسلمين، وقد بوب البخاري لذلك بابا تجت عنوان: (قبول الهدية من المشركين) ومما رواه في هذا الباب: عن أَنَس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةُ سُنْدُسٍ، وَكَانَ يَنْهَى عَنِ الحَرِيرِ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهَا، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا»، وعَنْ أَنَسٍ أيضا: «إِنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وهو عند مسلم عن علي أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ حَرِيرٍ، فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا، فَقَالَ: «شَقِّقْهُ خُمُرًا بَيْنَ الْفَوَاطِمِ»، وثالثا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا… وعلق ابن حجر على عنوان هذا الباب (قبول الهدية من المشركين) بقوله: أي جواز ذلك وكأنه أشار إلى ضعف الحديث الوارد في رد هدية المشرك.. (فتح الباري لابن حجر (5/ 230).

ثالثا: هدايا العمال رشوة منهي عنها:
الأصل أن هدايا العمال رشوة، وقد جاءت بذلك الأحاديث، ومن ذلك ما رواه الشيخان عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا» ثُمَّ خَطَبَنَا، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ” أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ” ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبْطِهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ» بَصْرَ عَيْنِي وَسَمْعَ أُذُنِي… وروى أبو داود عن بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا، فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ» (صححه الألباني). وروى أحمد عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ لَنَا عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِنْهُ مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، فَهُوَ غُلٌّ، يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْوَدُ – قَالَ مُجَالِدٌ: هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ – كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، فَقَالَ: ” وَمَا ذَاكَ؟ ” قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: ” وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ الْآنَ، مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى” (قال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط مسلم).
وسبب المنع من هذا الهدايا كما نقل ابن بطال عن المهلب: حيلة العامل ليهدي إليه إنما تكون بأن يضع من حقوق المسلمين في سعايته ما يعوضه من أجله الموضوع له، فكأن الحيلة إنما هي أن وضع من حقوق المسلمين ليستجزل لنفسه… ( شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 333).
هدايا المعلمين يتجاذبها أمران:
والمسألة التي معنا يتجاذبها أمران:
1) مشروعية قبول الهدية، وقد تقدمت النصوص على مشروعية ذلك من المسلم وغيره..
2) حرمة قبول الهدايا التي تكون بسبب العمل واعتبار ذلك من باب الرشوة التي يحرم قبولها.
رابعا: قبول المعلم الهدايا مقبول بشروط وضوابط:
ولأن الأمر كذلك فإن الأمر يحتاج إلى ضبط فلا نقول بالمشروعية مطلقا، ولا نقول بالحرمة مطلقا، وإنما الأمر يحتاج إلى تفصيل، وهو:
1) معرفة المقصد من الهدية: فيجب أن نعرف ما هو المقصد من هذه الهدية، فقد يكون مشروعا وقد يكون غير مشروع:
 فإن كان المقصد مشروعا قبلت الهدية؛ كأن يكون ذلك من باب التكريم للمعلم، والاعتراف بحسن صنيعه، وكريم فضله.
 وإن المقصد غير مشروع فلا تقبل الهدية، وذلك بأن يكون من وراء هذه الهدية محاباة لأحد، أو حسن معاملة، أو رفع درجات أو تقييم.
2) هل لها أثر أم لا؟
فواجب أن نعرف هل لهذه الهدية أثر أم لا؟ فإن كان لها أثر في تحديد مستوى الطلاب فلا يقبل ذلك، وإن كان تعامل المعلم واحدا مع كل الطلاب من أعطى ومن لم يعط، من بالغ في الهدية ومن لم يبالغ؛ هنا تقبل الهدية. وألا يكون ذلك مؤثر على عطاء المدرسة إتقانا أو إهمالا، فإن كان عطاؤها يزيدها جهدا وعملا ومنعها يجعلها تقصر في عملها فل يجوز قبول الهدايا أصلا. وقد أبدع الشاطبي حين قال: وكذلك الأدلة الدالة على سد الذرائع كلها، فإن غالبها تذرع بفعل جائز، إلى عمل غير جائز فالأصل على المشروعية، لكن مآله غير مشروع… (الموافقات (5/ 182). وقال ابن تيمية: فوجه الدلالة أن الهدية هي عطية يبتغي بها وجه المعطي وكرامته فلم ينظر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى ظاهر الإعطاء قولا وفعلا ولكن نظر إلى قصد المعطين ونياتهم التي تعلم بدلالة الحال فإن كان الرجل بحيث لو نزع عن تلك الولاية أهدي له تلك الهدية لم تكن الولاية هي الداعية للناس إلى عطيته وإلا فالمقصود بالعطية إنما هي ولايته إما ليكرمهم فيها أو ليخفف عنهم أو يقدمهم على غيرهم أو نحو ذلك مما يقصدون به الانتفاع بولايته أو نفعه لأجل ولايته… (الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 157)، وقال تلميذه ابن القيم في (الإعلام): إذ الاعتبار بالمعاني والمقاصد في الأقوال والأفعال، فإن الألفاظ إذا اختلفت عباراتها أو مواضعها بالتقدم والتأخر والمعنى واحد كان حكمها واحدا، ولو اتفقت ألفاظها واختلفت معانيها كان حكمها مختلفا، وكذلك الأعمال، ومن تأمل الشريعة حق التأمل علم صحة هذا بالاضطرار… (إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 108).
3) النظر إلى وقت الهدية:
ويجب النظر كذلك إلى وقت الهدية، فإن كانت في بداية العام الدراسي فلا تقبل لأنه سيكون لها أثر في الغالب، وإن كانت في نهاية العام فلا مانع من ذلك، وأحسب أن هذا أسبوع التكريم هو في نهاية العام الدراسي، والطلاب تم تحديد مستوياتهم ودرجاتهم أو كاد.
خامسا: مكافأة الهدية بإهدائه إن تيسر ذلك وإلا الثناء:
كما أنه يستحب للمعلم أن يرد الهدية إن استطاع، روى أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ» (حسنه الألباني)، فإن صعب عليه ذلك فليثن عليهم بما يستحقونه.
والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*