من يكون وليا للزوجة النصرانية أو اليهودية؟ أبوها أم القاضي أم إمام المسجد؟

 

  1. السؤال: السَّلامُ عَلَيْكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، إذا أرادَ شخصٌ أنْ يتزوَّجَ كِتابيَّة، فهلْ لإمامِ المسجدِ أنْ يستأذنَ ولِيَّها إنْ كانَ كِتابِيًّا، أمْ يكونُ هو وَلِيَّها؟ ثُمَّ هلْ للإمامِ أنْ يتأكَّدَ مِن أنَّها ووَلِيَّها يُمارِسانِ شعائِرَ دِينِهِم، لأنَّ كثيرًا مِن أهلِ هذه البَلَد لا يَذْهَبُونَ إلى الكنيسةِ ولا يُؤْمِنُونَ حَقًّا باعتِقادِ الدِّيَانَةِ النَّصرانيَّة؟

ملخص الفتوى:

زواج الكتابية (يهودية أو نصرانية) جائز وله شروط يجب توفرها، منها الشهود والولي والمهر والعفة، والأصل أن يكون ولي المرأة الكتابية (يهودية أو نصرانية) من بني ملتها، كأبيها أو جدها أو أخيها، ولا يكون المسلم مسلما للكتابية إلا إذا لم يكن لها ولي، أو أوكله وليها، وإمام المسجد يحل محل القاضي المسلم عند فقدان الولي…

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

فأستعين بالله في الإجابة على هذا السؤال، وستكون الإجابة بحوله وطوله على هذا النحو:

  • لا زواج إلا من العفيفة المحصنة:

فمعلوم أن الزواج من الكتابية مما جاءت به الشريعة الغراء، واشترطت الشريعة أن تكون الكتابية -وكذلك المسلمة- محصنة عفيفة، غير واقعة في رذيلة، قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]، قال ابن كثير: والظاهر من الآية أن المراد من المحصنات العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الأخرى محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان … (تفسير ابن كثير ط العلمية (3/ 37). وقال القرطبي: يعني العفائف.. (تفسير القرطبي (3/ 71). وقال: ومحصنة ومحصنة وحصان أي عفيفة، أي ممتنعة من الفسق… (تفسير القرطبي (5/ 120).

وهو بالمناسبة شرط كذلك في غيرها من المسلمات.

  • وجود الولي شرط عند الجمهور:

والجمهور -خلافا لأبي حنيفة- على أنه لا زواج بغير ولي، جاء في (الموسوعة الفقهية): ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها… (الموسوعة الفقهية الكويتية (14/ 191). واستدلوا بما رواه أحمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا نُكِحَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ مَوْلَاهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ أَصَابَهَا، فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ ” (قال محققو المسند: حديث صحيح).

  • إسلام الولي شرط في زواج المسلمة لا غيرها:

واشتراط الإسلام في الولي للمسلمة مما أجمع عليه أهل العلم، قال ابن قدامة: أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال، بإجماع أهل العلم، منهم؛ مالك، والشافعي، وأبو عبيد، وأصحاب الرأي. وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم… المغني لابن قدامة (7/ 27). وجاء في (الموسوعة الكويتية): لا يعتبر الكافر من أهل الولاية بالنسبة للمسلم لقول الله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، وليس للمسلم ولاية بالنسبة للكافر إلا بالسبب العام كولاية السلطان أو نائبه وهذا في الجملة. ومن أمثلة ذلك: لا يجوز للكافر أن يزوج ابنته المسلمة، ولا للمسلم أن يزوج ابنته الكافرة لأن الموالاة منقطعة بينهما لقوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}… (الموسوعة الفقهية الكويتية (35/ 25).

  • الولي شرط في زواج الكتابية:

والولي شرط في زواج غير المسلمة، فاختلاف الدين لا ينفي وجود الولي، وهذا داخل في عموم ما رواه أحمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا نُكِحَتِ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ أَمْرِ مَوْلَاهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ أَصَابَهَا، فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ ” (قال محققو المسند: حديث صحيح).

  • الأصل أن يكون ولي الكتابية من أهل ملتها ودينها:

أما بالنسبة لغير المسلمة (الكتابية) فوليها في عقد الزواج هو أبوها فإن لم يوجد فمن يحل محله من أخ أو عم، أو من ترتضي من أهل دينها، ولا يجوز أن يتقدم أحد من المسلمين على وليها، قال ابن قدامة: وأما المسلم فلا ولاية له على الكافرة، غير السيد والسلطان وولي سيد الأمة الكافرة؛ وذلك لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]. ولأن مختلفي الدين لا يرث أحدهما الآخر، ولا يعقل عنه، فلم يل عليه… وإذا تزوج المسلم ذمية، فوليها الكافر يزوجها إياه. ذكره أبو الخطاب. وهو قول أبي حنيفة، والشافعي؛ لأنه وليها، فصح تزويجه لها، كما لو زوجها كافرا، ولأن هذه امرأة لها ولي مناسب، فلم يجز أن يليها غيره، كما لو تزوجها ذمي… (المغني لابن قدامة (7/ 27).

وجاء في (كشاف القناع): يشترط في الولي سبعة شروط… الثالث: (اتفاق دين) الولي والمولى عليها، فلا يزوج كافر مسلمة ولا عكسه… (كشاف القناع عن متن الإقناع (5/ 53).

وسئل ابن تيمية عن رجل أسلم هل يبقى له ولاية على أولاده الكتابيين؟ فأجاب: لا ولاية له عليهم في النكاح كما لا ولاية له عليهم في الميراث فلا يزوج المسلم الكافرة سواء كانت بنته أو غيرها… وهذا مذهب الأئمة الأربعة وأصحابهم من السلف والخلف…. (مجموع الفتاوى (32/ 35).

وقال ابن القيم: الكافر يكون وليا لوليته الكافرة دون المسلمة، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71]، وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: 73]… (أحكام أهل الذمة (2/ 782). وقال في موضوع آخر: ولا يلي المسلم نكاح الكافرة، لما تقدم من قطع الموالاة بين المسلمين، والكفار، إلا أن يكون سلطانا، أو سيدا لأمة، فإن ولاية السلطان عامة… (أحكام أهل الذمة (2/ 786).

  • لا ولاية لمسلم على كتابية إلا بتوكيل أو عدم وجود ولي لها من دينها:

ولا يجوز أن يتقدم في ولاية غير المسلمة عمد زواجها من مسلم إلا بواحد من اثنين:

  1. إذن الولي له بذلك: وقد أجاز ذلك الشافعية، جاء في (مغني المحتاج): وللنصراني ونحوه توكيل مسلم في نكاح كتابية… (مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (4/ 258)، وخالف في ذلك المالكية والحنابلة، فقد جاء في (الشرح الكبير): (لا) يصح توكيل (ولي) لامرأة (إلا كهو) أي إلا مثله في الذكورة والبلوغ والحرية والإسلام وعدم الإحرام والعته… (الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 231)، وجاء في (كشاف القناع): ويشترط في وكيل ولي ما يشترط في الولي من العدالة وغيرها كالرشد والذكورة والبلوغ والعقل واتحاد الدين لأنها ولاية فلا يصح أن يباشرها غير أهلها… (في (كشاف القناع عن متن الإقناع (5/ 57). وجاء في (الموسوعة الفقهية): ويشترط في وكيل الولي ما يشترط في الولي من الذكورة والبلوغ والعقل والعدالة واتحاد الدين والرشد، لأنها ولاية فلا يصح أن يباشرها غير أهلها، ولأنه إذا لم يملك تزويج موليته أصالة فلأن لا يملك تزويج مولية غيره بالتوكيل أولى… (الموسوعة الفقهية الكويتية (41/ 291)
  2. انعدام الولي فيكون الحاكم أو من يحل محله وليا: وإذا انعدم الولي فإن السلطان هو ولي من لا ولي له، أو من يحل محله وهو القاضي الذي عينه الحاكم، قال ابن قدامة: وأما المسلم فلا ولاية له على الكافرة، غير السيد والسلطان وولي سيد الأمة الكافرة… (المغني لابن قدامة (7/ 27). وجاء في (أسنى المطالب): (وكذا) لا يزوج (مسلم كافرة)… (أسنى المطالب في شرح روض الطالب (3/ 132).
  • إمام المركز الإسلامي في الغرب يحل محل القاضي:

وإذا تعذر وجود الولي، أو وجد الولي وامتنع عن تزويج ابنته، ولم تجد من أهل ملتها من تراه مناسبا لذلك؛ فإن إمام الجالية العالم المستبصر بأمور جاليته يقوم مقام القاضي.

  • شروط مهمة:

وأرى أن يراعي الإمام الواقع عند عقده لزواج فتاة كتابية (يهودية أو نصرانية)، ومن ذلك:

  • مراعاة قوانين البلاد فلا يقدم على ما يخالف قانون البلاد، كمراعاة سن الزواج وتقديم التوثيق بالمحكمة.
  • يراعى في ذلك الزواج عُرف البلاد، فإن كان من أعراف المرأة أن يوافق الولي فلا يقدم الزوج المسلم على مخالفة ذلك.
  • ألا يكون في ذلك ضرر للجالية، كأن تكون الفتاة ابنة شخصية متمكنة، أو يستخدم ذلك إعلاميا فيما يضر الجالية وإمامها.
  • ينظر إلى المآلات، وإلى المفاسد والمصالح، فإن كان في ذلك مفسدة فلينظر فيما يحقق المصلحة.
  • هل للإمام أن يتأكد من كون المرأة أو الولي يقيمان شعائر دينهما:

والذي أراه أنه ليس للإمام أن يسأل عن حال الزوجة ولا حال وليها من جهة إقامة الشعائر، فنحن لنا الظاهر، بل قد يكون تمسك المرأة بشعائر دينها غير الإسلام) عائقا في تربية الأولاد، وقد يكون ذلك سببا في تنشئتهم على غير دين الإسلام وشريعته.

إن ما يتطلبه الشرع هو العفة والبعد عن الفسق، وهذا ما يفهم من قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].

هذا والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

 

 

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*