هل يجوز قبول الإسلام بشرط فاسد؟؟
- السؤال: فضيلة الدكتور: أكرم بارك الله فيك.. سمعت البعض يقول بأنه يمكن (قبول الإسلام بشرط فاسد) فما معنى هذا الكلام؟ وكيف نوفق بين هذا وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}
وهل لو جاءت امرأة تريد أن تدخل الإسلام وقالت لن أتحجب هل نقبل منها ذلك؟ وماذا لو قال رجل سأقبل الإسلام؛ ولكن سأشرب الخمر أو لن نحج، رجاء شرح ذلك؟
ملخص الفتوى:
نعم يجوز قبول الإسلام بشرط فاسد، وهذا ما جاءت به السنة، وقال به الفقهاء وشراح الحديث، لكن من قبلنا إسلامه بشرط فاسد ندعوه إلى تصحيح فهمه، وإدراك ما ينقصه. ويكون قبول إسلامه من باب تأليف القلوب.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد
فأقول وبالله والتوفيق:
قبول الإسلام بشرط فاسد:
هذه مسألة مهمة نظرا للمسلمين الجدد الذين تتفتح قلوبهم للإسلام كل يوم، وقد فطن العلماء من القديم لهذا، ونقل عنهم ما يعرف بـــــ (صحة الإسلام مع الشرط الفاسد)، ولم يكن هذا الفقه نابعا من هوى -معاذ الله-، ولكنه نابع من أدلة عامة، وأدلة خاصة:
أولا: الأدلة العامة: وأعني بها التدرج في الدعوة الذي جاءت به الشريعة، ومن ذلك ما رواه البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: «ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ».
ثانيا: الأدلة الخاصة: وأعني بها تلك التي وردت في هذا الباب، وقد ذكر الشوكاني بعضها في (نيل الأوطار) تحت عنوان: (باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد)، ومن هذه الأحاديث:
- عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ، ” أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي إِلَّا صَلَاتَيْنِ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ” (رواه أحمد وقال محققو المسند: رجاله ثقات).
- عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ: ” أَسْلِمْ ” قَالَ: أَجِدُنِي كَارِهًا. قَالَ: ” أَسْلِمْ، وَإِنْ كُنْتَ كَارِهًا” (رواه أحمد وقال محققو المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.).
- عَنْ وَهْبٍ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ شَأْنِ ثَقِيفٍ إِذْ بَايَعَتْ؟ قَالَ: اشْتَرَطَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهَا، وَلَا جِهَادَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: «سَيَتَصَدَّقُونَ، وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا» (رواه أبو داود وصححه الألباني في الصحيحة.
ما يفهم من الأحاديث التي تجيز قبول الإسلام مع الشرط الفاسد:
ويفهم من هذه الأحاديث ما يلي:
- كراهة بعض الناس -المسلمين والراغبين في الإسلام- فعل بعض الواجبات، أو ترك بعض المحرمات لا يحبط عمل المسلم، ولا يعني رفض الإسلام ممن يكره فعل الخير أو ترك الشر، لأن المسلم ربما يكره فعل الواجب لشدته أو يكره ترك المحرم لرغبته فيه، لكنه لا يكره إيجاب الله لذلك، وقد أخبر القرآن عن هذه الحالة النفسية فقال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة: 216]، وعند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».
- يصح إسلام من كان كارها شيئا من الإسلام، ويعلّم بعد ذلك، كما لو كانت امرأة كارهة للحجاب مثلا، قال الشوكاني: يصح إسلام من كان كارها (نيل الأوطار/ الشوكاني (7/ 234).
- يجوز قبول الإسلام مع الشرط الفاسد، قال الشوكاني: يجوز مبايعة الكافر وقبول الإسلام منه وإن شرط شرطا باطلا… (نيل الأوطار/ الشوكاني (7/ 234)..
- لا مانع من قبول الإسلام بالشهادتين فقط، ويعصم دم المحارب وماله بذلك، يقول ابن رجب: ومن المعلوم بالضرورة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقبل مِنْ كل منْ جاءه يريدُ الدخولَ في الإسلامِ الشهادتين فقط، ويَعْصِمُ دَمَه بذلك، ويجعله مسلماً، فقد أنكر على أسامة بن زيد قتلَه لمن قال: لا إله إلا الله، لما رفع عليه السيفَ، واشتدَّ نكيرُه عليه… (جامع العلوم والحكم/ ابن رجب الحنبلي (1/ 228)..
- من قبل منه الإسلام على الشرط الفاسد لا يقر على ذلك طيلة حياته؛ بل يعرف الإسلام ويلزم بعد ذلك بشعائر الإسلام، قال ابن رجب: وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث، وقال: يصحُّ الإسلامُ على الشرط الفاسد، ثم يُلزم بشرائع الإسلام كُلها… (جامع العلوم والحكم/ ابن رجب الحنبلي (1/ 228). وقال ابن قدامة: وسئل -أي أحمد-: عن الرجل يسلم بشرط أن لا يصلي إلا صلاتين؟ فقال: يصح إسلامه، ويؤخذ بالخمس (المغني لابن قدامة (9/ 365).
- لا بد أن نفرق بين أمرين:
- أ- أصل الإيمان؛ ومنه الإيمان بالله واليوم الآخر، وفاقد أصل الإيمان كافر، لأنه لا يزال على كفره.
- ب- واجب الإيمان؛ وهو فعل ما كان واجبا وترك ما كان محرما، وترك هذا كله لا يكون كفرا قبل بيانه لصاحبه، وأما بعد البيان فتركه للفعل قد يكون كفرا وقد يكون فسقا بحسب حاله، فمن تركه جحودا كان كافرا، ومن تركه كسلا كان فاسقا.
- قبول الشرط الفاسد يكون من باب التأليف، وقد فهم هذا ابن حجر فبوب لهذا تحت عنوان: (بَابُ التَّأْلِيفِ عَلَى الْإِسْلَامِ) (المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (9/ 537).
- قبول الإسلام بالشرط الفاسد تأليفا للقلوب يمكن العمل به مع صنفين من الناس:
- أ- مع المسلمين الجدد لا مع من ولد في الإسلام، فليس من الحكمة أن يطالبوا بما نطالب به من ولد في الإسلام، واحتضنته المساجد، ولا أرى مانعا من التدرج مع هذا الصنف في شعائر الإسلام الكبرى، كصلاة وزكاة وصيام وحج.
- ب- العائدون إلى الله بعد أن جرفتهم الحياة المادية، وخصوصا من يعيشون في الغرب، ممن لم يعرفوا عن الإسلام إلا أسماء سماهم بها آباؤهم، وتركوهم في بحر المغريات دون طوق من دين أو سياج من خلق.
لماذا رفض النبي صلى الله عليه وسلم الشرط الفاسد من ابنَ الْخَصَاصِيَّةِ؟
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم رفض الشرط الفاسد من بشير بن الْخَصَاصِيَّةِ، روى أحمد عن بشير بنَ الْخَصَاصِيَّةِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَايِعَهُ، قَالَ: فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ أُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَأَنْ أُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَأَنْ أَصُومَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَنْ أُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمَّا اثْنَتَانِ، فَوَاللهِ مَا أُطِيقُهُمَا: الْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَنْ وَلَّى الدُّبُرَ، فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ، فَأَخَافُ إِنْ حَضَرْتُ تِلْكَ جَشِعَتْ نَفْسِي، وَكَرِهَتِ الْمَوْتَ، وَالصَّدَقَةُ فَوَاللهِ مَا لِي إِلَّا غُنَيْمَةٌ وَعَشْرُ ذَوْدٍ، هُنَّ رَسَلُ أَهْلِي وَحَمُولَتُهُمْ. قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ، ثُمَّ حَرَّكَ يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: ” فَلَا جِهَادَ وَلَا صَدَقَةَ، فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذًا؟ ” قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أُبَايِعُكَ. قَالَ: فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ” (وقال محققو المسند: رجاله ثقات).
وقد أجاب عن ذلك ابن الأثير فقال: لم يحتمل لبشير ما احتمل لثقيف، ثم ذكر ابن الأثير سببين:
- إنما لم يسمح صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له لعلمه أنه يقبل إذا قيل له.
- وثقيف كانت لا تقبله في الحال، وهو واحد وهم جماعة فأراد أن يتألفهم ويدرجهم عليه شيئا فشيئا (النهاية في غريب الحديث والأثر/ ابن الأثير (3/ 239).
ويفهم من هذا أنه ينبغي النظر إلى حال المسلم الجديد، فإن علم من قدرة على إتيان الطاعات، فلا يعامل كغيره.
حديث حكيم بن حزام: “بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا أَخِرَّ إِلَّا قَائِمًا”:
وأما حديث حكيم بن حزام، والذي جاء فيه: بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا أَخِرَّ إِلَّا قَائِمًا…” (صححه الألباني في صحيح النسائي). فجملة (لَا أَخِرَّ إِلَّا قَائِمًا) لها معنيان:
- المعنى الظاهر: أنه البيعة كانت على سجود لا ركوع قبله، وقد نقل ذلك ابن قدامة عن أحمد فقال: أنه لا يركع في الصلاة، بل يقرأ ثم يسجد من غير ركوع… (المغني لابن قدامة (9/ 365).
- هو المعنى الحقيقي هو: البقاء على الإسلام والاستمساك به حتى الممات، وقد نقل ذلك عن عدد من العلماء، ومنهم:
- أ- ابن كثير: قال: فقيل: معناه أن لا أموت إلا مسلما، وقيل: معناه أن لا أقتل إلا مقبلا غير مدبر وهو يرجع إلى الأول… (تفسير ابن كثير (2/ 76).
- ب- ابن الأثير: قال: ومعنى الحديث: لا أموت إلا متمسكا بالإسلام. وقيل معناه: لا أقع في شيء من تجارتي وأموري إلا قمت به منتصبا له. وقيل معناه: لا أغبن ولا أغبن… (النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 21).) وقال أيضا: أي لا أموت إلا ثابتا على الإسلام والتمسك به. يقال: قام فلان على الشيء إذا ثبت عليه وتمسك به. وقيل غير ذلك… (النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 125).
- ت- ابن سلام: وقد أكثر الناس في معنى هذا الحديث وماله عندي وجه إلا أنه أراد بقوله: (لا أخر): أي لا أموت لأنه إذا مات فقد خر وسقط. وقوله: (إلا قائما): إلا ثابتا على الإسلام، وكل من ثبت على شيء وتمسك به فهو قائم عليه… (غريب الحديث للقاسم بن سلام (2/ 130).
وأخيرا:
فقبول الإسلام بشرط فاسد أمر مقبول شرعا، لكن نفرق بين إسلام الفرد وإسلام الجماعة، لكن يجب البيان والتوضيح بعد ذلك حتى يستقيم الجميع على أمر الله.
هذا والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب