هل يجب على الإمام الذي يعقد لمسلم على كتابية أن يتأكد من التزامها بدينها؟
- السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: يأتي إليّ بعض الشباب لعقد زواجهم على بعض الكتابيات، فهل يجوز ذلك؟ ثُمَّ هلْ للإمامِ أنْ يتأكَّدَ مِن أنَّها ووَلِيَّها يُمارِسانِ شعائِرَ دِينِهِم، لأنَّ كثيرًا مِن أهلِ هذه البَلَد لا يَذْهَبُونَ إلى الكنيسةِ ولا يُؤْمِنُونَ حَقًّا باعتِقادِ الدِّيَانَةِ النَّصرانيَّة؟ أفتونا مأجورين….
ملخص الفتوى:
لا مانع من الزواج من الكتابية وهذا بشروط -وقد بينت ذلك في فتوى أخرى- وإذا جاز ذلك، ولا مانع أن يقوم إمام المركز الإسلامي بذلك، ولا يشترط أن يقوم باختبار المرأة في دينها، أو التأكد من أنها تقيم شعائر دينها.
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد…
فقد ذكرت في فتوى سابقة، أن الزواج من الكتابية مما جاءت به الشريعة الغراء، واشترطت الشريعة أن تكون الكتابية -وكذلك المسلمة- محصنة عفيفة، غير واقعة في رذيلة، قال تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]، قال ابن كثير: والظاهر من الآية أن المراد من المحصنات العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الأخرى محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان … (تفسير ابن كثير ط العلمية (3/ 37). وقال القرطبي: يعني العفائف.. (تفسير القرطبي (3/ 71). وقال: ومحصنة ومحصنة وحصان أي عفيفة، أي ممتنعة من الفسق… (تفسير القرطبي (5/ 120). وهو بالمناسبة شرط كذلك في غيرها من المسلمات.
هل للإمام التأكد من التزام الكتابية بدينها؟
والذي أراه أنه ليس للإمام أن يسأل عن حال الزوجة ولا حال وليها من جهة إقامة الشعائر، فنحن لنا الظاهر والله يتولى السرائر، وقد روى الشيخان عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ».
بل قد يكون تمسك المرأة بشعائر دينها غير الإسلام) عائقا في تربية الأولاد، وقد يكون ذلك سببا في تنشئتهم على غير دين الإسلام وشريعته.
إن ما يتطلبه الشرع هو العفة والبعد عن الفسق، وهذا ما يفهم من قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].
ويمكن أن قيس هنا على ما قبول زواج المسلم بمجرد التلفظ بالشهادتين، فقد روى النسائي عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: تَزَوَّجَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ، فَكَانَ صِدَاقُ مَا بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامَ، أَسْلَمَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَبِي طَلْحَةَ، فَخَطَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنْ أَسْلَمْتَ نَكَحْتُكَ، فَأَسْلَمَ فَكَانَ صِدَاقَ مَا بَيْنَهُمَا… (صححه النسائي).
وما يقال هنا يقال كذلك في المسلم والمسلمة؛ فليس من شأن العالم أو الفقيه أو المأذون أن يبحث عن مدى التزام من يأتي إليه يريد الزواج، وإنما ذلك من واجب الزوج الذي يريد أن ينكح، وفرض على ولي الزوجة أن يفعل ذلك. و ما جاءت به الأحاديث، روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا قَالَ: ” تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ “، وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» (حسنه الألباني).
هذا والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
أكرم كساب