ما حكم القرض؟ وهل كل من جاء لطلب القرض يجب أن أعطيه؟

 

 

  1. السؤال: جاء أحد الناس يطلب مني مالا، والحمد لله أنا معي، ولكني لا أستريح له، فأخبرني البعض أن أنني ارتكبت محرما، فهل هذا صحيح؟ وما حكم الإقراض؟ أفتني مأجورا فإني في قلق كبير!!!

ملخص الفتوى:

الأصل أن الإقراض مشروع، وقال العلماء بأنه مندوب، وقد يكون حراما إذا كان المقترض سينفقه في المحرم، لا يكون واجبا إلا إذا كان المقترض غنيا وليس في حاجة هو ومن يعول إلى هذا المال، وكان المقترض في ضرورة، وليس ممن عرفوا بالمماطلة، ومن ثم فإن امتنعت عن إقراض غيرك إما لحاجتك أو لمماطلة المقترض فلا شيء عليك.

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد؛

التكافل أصل في الشريعة:

فإن الشريعة الإسلامية جاءت بمبدأ التكافل، وخلق التعاون، وما أكثر الآيات والأحاديث الدالة على ذلك، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، ويقول سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، ويقول جلّ شأنه: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”.

فضل القرض:

ومن التعاون والتكافل إقراض الآخرين، وقد جاءت أحاديث في ذلك ومنها:

  • روى أحمد عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ، وَمَنْ أَنْظَرَهُ بَعْدَ حِلِّهِ كَانَ لَهُ مِثْلُهُ، فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ» (قال محققو المسند: حديث صحيح، وصححه الألباني).
  • ولابن ماجه عن ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلَّا كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً» (ضعفه الألباني).
  • وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَكَانَ يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، قَالَ: فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ “، وروى مسلم عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ الْعِلْمَ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِينَا أَبَا الْيَسَرِ، صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ، مَعَهُ ضِمَامَةٌ مِنْ صُحُفٍ، وَعَلَى أَبِي الْيَسَرِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمَعَافِرِيَّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا عَمِّ إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِكَ سَفْعَةً مِنْ غَضَبٍ، قَالَ: أَجَلْ، كَانَ لِي عَلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ الْحَرَامِيِّ مَالٌ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ، فَسَلَّمْتُ، فَقُلْتُ: ثَمَّ هُوَ؟ قَالُوا: لَا، فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ لَهُ جَفْرٌ، فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ أَبُوكَ؟ قَالَ: سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي، فَقُلْتُ: اخْرُجْ إِلَيَّ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ أَنْتَ، فَخَرَجَ، فَقُلْتُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّي؟ قَالَ: أَنَا، وَاللهِ أُحَدِّثُكَ، ثُمَّ لَا أَكْذِبُكَ، خَشِيتُ وَاللهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فَأَكْذِبَكَ، وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ، وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ وَاللهِ مُعْسِرًا قَالَ: قُلْتُ: آللَّهِ قَالَ: اللهِ قُلْتُ: آللَّهِ قَالَ: اللهِ قُلْتُ: آللَّهِ قَالَ: اللهِ قَالَ: فَأَتَى بِصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بِيَدِهِ، فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِي، وَإِلَّا، أَنْتَ فِي حِلٍّ، فَأَشْهَدُ بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ – وَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى عَيْنَيْهِ – وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هَذَا – وَأَشَارَ إِلَى مَنَاطِ قَلْبِهِ – رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ».

حكم القرض:

الأصل في القرض أنه مشروع، قال الشوكاني: وفي فضيلة القرض أحاديث وعموميات الأدلة القرآنية والحديثية القاضية بفضل المعاونة وقضاء حاجة المسلم وتفريج كربته وسد فاقته شاملة له، ولا خلاف بين المسلمين في مشروعيته قال ابن رسلان: ولا خلاف في جواز سؤاله عند الحاجة ولا نقص على طالبه، ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي  صلى الله عليه وسلم… (نيل الأوطار (5/ 272).

والأصل في حكم القرض أنه مندوب، قال ابن قدامة: والقرض مندوب إليه في حق المقرض، مباح للمقترض… المغني لابن قدامة (4/ 236). وجاء في (الموسوعة الفقهية): لا خلاف بين الفقهاء في أن الأصل في القرض في حق المقرض أنه قربة من القرب، لما فيه من إيصال النفع للمقترض، وقضاء حاجته، وتفريج كربته، وأن حكمه من حيث ذاته الندب… (الموسوعة الفقهية الكويتية (33/ 113). وعلى ذلك فلا يجوز أحد أن يجبر أحدا على إقراض غيره، إذ لا جبر ولا إكراه في مندوب، وكذلك لا إثم فيما هو مستحب أو مندوب.

لكن حكم القرض قد يتغير فقد يكون واجبا وقد يكون محرما وقد يكون بين هذا وذاك، جاء في (الموسوعة الفقهية): لكن قد يعرض له الوجوب أو الكراهة أو الحرمة أو الإباحة، بحسب ما يلابسه أو يفضي إليه، إذ للوسائل حكم المقاصد… (الموسوعة الفقهية الكويتية (33/ 113).

ويمكن القول بأن حكم القرض إنما هو بحسب حال القارض والمقترض، فهو:

  • واجب إن كان المسلم عنده كفايته وكفاية من يعول، والمقترض في حال الضرورة.
  • حرام إذا كان المقترض سيقدم على معصية، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
  • مكروه إذا غلب على ظن المقرض أن المقترض سينفقه في أمر مكروه.
  • مباح إذا كان المقترض عنده لكنه يريد أن يوسع على أولاده.

هذا؛ والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*