علمتني الهجرة
د: أكرم كساب
الحمد ﻟﻠﻪ وصلى لله وسلم على رسول لله، وبعد،،،
فيعد حادث الهجرة من الأحداث التي غيرت مجرى التاريخ، وفيه من الدروس والعبر ما فيه، وها
ذا أذكر بعضا مما تعلمته من الهجرة المباركة: أ
1. علمتني الهجرة: أن التوكل على لله لا ينفي الأخذ ﺑﺎلأسباب، بل أولى خطوات التوكل
أن تكون آخذا ﺑﺎلأسباب، وقد تجلى ذلك في الخروج ليلا والتخفي في الغار ثلاﺛﺎ.
2. علمتني الهجرة: أن العاقبة للمتقين، فمهما انتفش الباطل فهو مهزوم، لكن النصر ليس
فقط تغلبا على عدو، ولا قهرا لخصم؛ بل ثباتك على الحق نصر، وتمسكك بمبادئك
نصر، فمصعب لم ير تمكينا، وحمزة لم ير غلبة للدين وقد انتصروا بثابتهم على المبدأ حتى
عَمِّ وَاﻟَّﻠﻪِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي ماتوا، وقد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم: “َ
عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اﻟَّﻠﻪُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ”.
3. علمتني الهجرة: أن الإخلاص هو الأساس، فمن رام من الدعوة شهرة أو مغنما أو مجدا
فقد أخطأ الوجهة، فمحمد صلى الله عليه وسلم لو أراد ذلك ما ترك وطنا ولا فارق دارا؛ فاجعل
الإخلاص شعارك ودﺛﺎرك ﺗﺄتيك الدنيا والآخرة.
4. علمتني الهجرة: أن الاعتدال قرين المسلم، فلا هو ﺑﺎلمبتذل الذليل حال ضعفه، ولا هو
ﺑﺎلمتكبر المتغطرس حال انتصاره، وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم حين أخرج وحيدا مهاجرا معتزا بدينه
ودعوته قائلا كما عند أحمد:” عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ للهِ، وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى للهِ عَزَّ
وَجَلَّ، وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ “، وحين عاد بعد ثمانية أعوام في الفتح
ما كان إلا متواضعا شاكرا.
5.
علمتني الهجرة: أن حفظ لله لأصحاب الدعوات مؤكد لا شك فيه، لكن الحفظ ليس
فقط في الأنفس والأبدان؛ بل منه وأعلاه حفظ الدين، وما هاجر أحد في لله إلا حفظ
تيك الخبر اليقين. لله له دينه، وسل صهيبا وبلالا وعمارا وأﺑﺎ سلمة
6.
علمتني الهجرة: أن الثقة تظهر في مواطن الشدة، وها هو الصديق يسلم لصاحبه الأكبر
صلى الله عليه وسلم نفسه في رحلة تحفها المخاطر، وكيف لا يثق فيه وهو الصادق المصدو ق؟! وما أروع
رد الصديق حين سئل: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بيَْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُ ولُ: هَذَا الرَّجُلُ يهَْدِينِي
السَّبِيلَ… (رواه البخاري)
7. علمتني الهجرة: أن النصر مع الصبر، فلا نصر لجازع متسرع، ولا فوز لقانط متعجل،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لخباب وإخوته حين تعجلوا النصر:” وَاﻟَّﻠﻪِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى
يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اﻟَّﻠﻪَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ،
وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَ عْجِلُونَ” (رواه البخاري).
8. علمتني الهجرة: أن من ترك شيئا ﻟﻠﻪ عوضه لله خيرا منه، فلما ترك الصحابة مكة وهي
ر فتح لله ﺑﻬم الدينا وعمّر ﺑﻬم الأمصار والأقطار، فكانوا لها أهلها، ولأهلها خير الد
أبواب خير وفضلا.
9. علمتني الهجرة: أن المرأة شقيقة الرجل، فلا الرجل وحده يبني حضارة، ولا المرأة وحدها
تصنع مجدا، ولهذا لم تغب أسماء ومن قبلها سمية ونسيبة عن مشاهد الهجرة وأحداثها.
10 . علمتني الهجرة: أن النصرة ليست بحماسة الشباب وحدها ولا بحكمة الشيوخ
دون غيرهم، فالعبرة ﺑﺎلقدرات والإمكانيات والملكات، فما قام به علي لا يقل كثيرا عما
قام به الصديق، ولم يؤهل الصديق لصحبته سنه ولا صداقته، ولا أهّل عليا لفدائه شبابه
ت والقدرات والملكات. ولا قرابته، بل الذي رشح هذا وذاك لما قاما به هو الإمكا
11. علمتني الهجرة: أن الوعظ والإرشاد لا يبني حضارات ولا أمجادا، وإنما تبنى
الحضارات والأمجاد ﺑﺎلعزم والتخطيط، ونبوة النبي صلى لله عليه لم تمنعه من أن يخطط
ويدبر، فالصديق للصحبة، وعلي للفداء، وأسماء للغذاء والتموين، وأخوها للأخبار
والتمويه، وابن أريقط لهداية الطريق.
12 . علمتني الهجرة: أن الحياة أدوار، ولكل واحد دور يصلح به وفيه، وليس كل أحد
يصلح لكل شيء، فمن أجاد العمل جهرا فله في الفاروق قدوة، ومن رام العمل سرا فله
في بقية الصحب أسوة، ومن أتقن العمل الفدائي فراية ابن طالب له مرفوعة، ومن حباه
لله ﺑﺎلمال فعطاء الصديق يذكر ولا ينكر… فضع نفسك فيما تتقن وتحسن، لا ما تحب
وترغب.
13 . علمتني الهجرة: أن القائد لا يستحق القيادة إذا انفرد ﺑﺎلأمر وحده، فمن قاد
وحده عاش وحده ومات وحده، فالصحبة للقائد ضرورة ولو استغنى عنها أحد لاستغنى
عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خلد القرآن هذه الصحبة فقال: {إذْ يقَُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اﻟَّﻠﻪَ
.[ مَعَنَا} [التوبة: 40
14 . علمتني الهجرة: أن الخيرة دائما فيما اختاره لله لا ما تمناه العبد، فقد يصرف لله
عنك ما تتمناه لأنه يريد لك أفضل مما ﺗﻬواه، وقد أراد الصديق هجرة وحده، فأراد لله
له صحبة لا مثيل لها، وعند الطبراني:كَانَ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ للهِ صَلَّى للهُ عَلَيْهِ
.« لَا تَعْجَلْ؛ لَعَلَّ للهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا » : وَسَلَّمَ فِي الهِْجْرَةِ فَقَالَ
15 . علمتني الهجرة: أن بيت الداعي هو النصير الأول له، يؤمن بفكرته، ويدافع عن
قضيته، ويقوم بما تتطلبه دعوته، وما أروعه بيت الصديق، فالأب للصحبة، والبنت
للطعام، والولد للأخبار، بيت عظيم ما أروعه.
16 . علمتني الهجرة: أن الشدائد تثقل معادن الرجال، فرجال الأرقم وشعب أبي
طالب وبيعة العقبة الأولى والثانية هم رجال الهجرة، وهم رجال الدعوة والدولة، وكم
قوّت ركلات التعذيب من عزم عمار وبلال وخباب، وسل سمية تخبرك كيف استحقت
أن تكون أول شهيدة في الإسلام.
17.
علمتني الهجرة: أن رجل الدعوة غير رجل الدولة، وفي كل خير، فأبو ذر وهو من
المهاجرين الأوائل، وهو أصدق الناس لهجة لكنه لا يصلح رجل دولة وإن كان رجل
دعوة من الطراز الأول، وعليه فكثرة العبادة لا تكون مؤهلا لمواضع القيادة، والسبق في
الدعوة لا يكون مؤهلا لقيادة الأمة.
18.
علمتني الهجرة: أن للقلوب أعمالا وللجوارح أعمالا، فللقلب عبادة التوكل والثقة
والطمأنينة واليقين والحب وال ولاء…. وللجوارح دعاء وتضرع وخشوع وتذلل وجهاد
وإقدام وعطاء، فلا تحرم نفسك من هذا وذاك.
19 . علمتني الهجرة: أن الأخوة لا تعني أكل مال الأخ بسيف الحياء، فالمرء أولى
قَتَيْنِ أَعْدَدْتهُُمَا لِلْخُرُوجِ، رَسُولَ اﻟَّﻠﻪِ، إِنَّ عِنْدِي َ بماله، وعند البخاري قال الصديق: َ
فانظر رعاك لله كيف أخذها النبي ﺑﺎلثمن ،« قَدْ أَخَذْتهَُا ﺑِﺎلثَّمَنِ » : فَخُذْ إِحْدَاهمَُا، قَالَ
ولم يقبلها تبرعا ولا تطوعا، فقد قدّم الصديق ما يكفي..
20 . أن بناء الأوطان يقوم ﺑﺎلأفراد ويقوم ﺑﺎلأسر، فمصعب وبلال وابن مسعود كان
كأفراد من بناة الد ولة، وبجوارهم كانت أسرة عريقة كأسرة أبي بكر، وأسرة فدائية كأسرة
سر، ولا تنس أسرة الزبير، وأسرة الفاروق، فضلا عن الأسرة النبوية الشريفة، لذلك
فالحفاظ على الأسرة أصل أصيل في الإسلام.
21 . علمتني الهجرة: أن وطن الداعية حيث يفتح لله له قلوب الناس، فوطن المسلم لا
تحده حدود، ولا تحجزه حواجز، فإن ضاقت به خير البقاع وجب عليه البحث عن وطن
آخر، ولله يقول: {وَمَنْ يهَُاجِرْ فِي سَبِيلِ اﻟَّﻠﻪِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً}
…[ [النساء: 100
د: أكرم كساب