تصغير الأنف الكبير أو تصغير الكبير

  1. السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فضيلة الشيخ، سؤال هو أن بعض النساء لهن أنف كبير ربما لمرض طارئ، أو ولدن به هكذا، فهل يجوز شرعا تعديله طبياً؟ أم هذا من تغيير خلق الله؟ أفيدونا مشكورين مأجورين….؟

ملخص الفتوى:

تصغير الأنف أو تكبيره للنساء -حتى للرجال- على نوعين: الأول ممنوع محرم، وهو ما كان من باب الزينة والتجمل. الثاني: ما كان من باب إزالة عيب خُلقي، أو تشوه ناتج عن مرض طارئ أو حادث معين؛ فهذا مباح، وقد يكون واجبا إذا كان ترك ذلك سيترك أثرا سلبيا عند صاحب هذه التشوه أو العيب… على أن ينساق الناس خلف ما يسمى بــ (الموضة) فإنها تسوق الناس سوقا إلى التحلل من الشريعة شيئا فشيئا….

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛

أما بعد

  • المرأة مجبولة على الزينة:

فالمرأة مجبولة على حب الزينة سواء ما كان منها ظاهرا أم باطنا، وقد تحدث الله تعالى عن زينة المرأة في آية واحدة ثلاث مرات، قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

  • الأنف موضع من مواضع الزينة وقد جاءت الشريعة بذلك:

وقد أمرت الشريعة بزينة الأنف، ومن ذلك ما كان بنظافتها كما في الوضوء، روى أحمد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الصُّنَابِحِيّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، خَرَّتْ خَطَايَاهُ مِنْ فِيهِ وَأَنْفِهِ، وَمَنْ غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، وَمَنْ غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ مِنْ أَظْفَارِهِ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ، وَمَنْ مَسَحَ رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ شَعَرِ أُذُنَيْهِ، وَمَنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ أَظْفَارِهِ أَوْ تَحْتَ أَظْفَارِهِ، ثُمَّ كَانَتْ خُطَاهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً ” (وقال محققو المسند: حديث صحيح).

  • تجميل الأنف على نوعين:

وما يتعلق بأمر التجميل فهو على نوعين:

  • النوع الأول: ما كان طلبا للحسن والجمال والزينة، وهذا النوع لا يباح لا للرجال ولا للنساء، والأصل في ذلك قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء: 117 – 119]، وروى الشيخان عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ : إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ ، فَقَالَ : وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
  • النوع الثاني: ما كان لإزالة عيب خُلقي، أو تشوه ناتج عن مرض طارئ أو حادث معين، وهذا جائز، ولا مانع من هذا النوع من التجميل، ولذلك لكونه يدخل في التداوي الذي أمرت به الشريعة، روى مسلم عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، وروى أحمد عن أنس أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: “إِنَّ اللهَ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ، خَلَقَ الدَّوَاءَ، فَتَدَاوَوْا” (قال محققو المسند: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن)، وروى أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ، أَنَّ جَدَّهُ عَرْفَجَةَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَاتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ، فَأَنْتَنَ عَلَيْهِ، ” فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ “، قَالَ يَزِيدُ: فَقِيلَ لِأَبِي الْأَشْهَبِ: أَدْرَكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ جَدَّهُ؟ قَالَ: ” نَعَمْ “، وفي الحديث ما يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لهذا الصحابي استخدام الذي والذي هو محرم على الرجال، لكن ذلك جاز من باب الضرورة أو الحاجة التي تقوم مقام الضرورة.
  • قرار لمجمع الفقه الإسلامي بجواز ذلك:

ولمجمع الفقه الإسلامي الدولي كلام طيب في دورته الثامنة عشرة بماليزيا عام 2007م بشأن الجراحة التجميلية وأحكامها؛ جاء فيه: يجوز شرعًا إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها:

  • إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها؛ لقوله سبحانه: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾[العلق: 4].
  • إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم.
  • إصلاحُ العيوب الخِلقية مثل: الشفة المشقوقة -الأرنبية- واعوجاج الأنف الشديد والوحمات، والزائد من الأصابع والأسنان والتصاق الأصابع إذا أدَّى وجودها إلى أذىً ماديٍّ أو معنويٍّ مؤثِّر.
  • إصلاحُ العيوب الطارئة -المكتسبة- من آثار الحروق والحوادث والأمراض وغيرها مثل: زراعة الجلد وترقيعه، وإعادة تشكيل الثدي كليًّا حالة استئصاله، أو جزئيًّا إذا كان حجمه من الكِبر أو الصغر بحيث يؤدي إلى حالة مرضيَّة، وزراعة الشعر حالة سقوطه خاصة للمرأة.
  • إزالة دمامة تُسبب للشخص أذىً نفسيًّا أو عضويًّا.
  • تنبيهات:

على أنه وإن كان الأمر بالجواز هو الحكم فيما يتعلق بأمر العلاج، إلا أنه يجب أن نراعي ما يلي:

  • يجب أن تراعى نفسية المرأة في شأن الزينة لأن هذا من الأمور التي جبلت عليها، والإسلام راعى ما فطرت عليه النساء، بل راعى ما فطر عليه البشر كل البشر؛ قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
  • لا يفتح باب الزينة على مصرعيه، وذلك لأننا نعيش في عالم متغير أصبحت (الموضة) إلها يعبد عند بعض الناس، وصدق فيهم قول الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50]، وعند البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ…” ألا وتعس عبد الهوى، وتعس عبد (الموضة).
  • قد يكون من الواجب أن يعد التشويه أو العيب الحاصل للفتاة أو الفتى إذا كان سيترتب على ذلك ضرر نفسي من تنمر الناس عليه، أو الشعور الداخلي بالاختلاف أو النقص والعيب، وهذا كله يدخل فيما رواه أحمد “إِنَّ اللهَ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ، خَلَقَ الدَّوَاءَ، فَتَدَاوَوْا”.

هذا والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*