هل يجوز لمن عقد على فتاة أن يجامعها قبل الزفاف؟

 

  1. السؤال: فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لي سؤال: تم عقد الزواج بيني وبين أحد الشباب، وهو يريد أن يأخذ الحق الشرعي (الجماع) ويقول هذا حقي وأنا زوجك، فهل هذا صحيح؟

ملخص الفتوى:

المرأة التي عقد عليها رجل (كتب كتاب)، هي زوجته، وإن مات أحدهما ورثه الآخر، ولكن هع هذا فلا يجوز للمرأة ان تمكن من الرجل من ذلك، ولا يجوز له أن يطلب ذلك أصلا، وهو وإن لم يفعل جرما، إلا أنه لا يجوز ذلك لما يترتب على ذلك من المفاسد، وذلك فقد يموت الرجل، أو قد يقع خلاف فينكر أن فعل شيئا….

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛ أما بعد…

فهذه المسألة من الخطورة بمكان، وهي تحتاج لبيان؛ نظرا لما تحويه من حق مشروع لكن قد يمنعه العرف، وتحيل بينه النفوس المتغيرة، والمآلات المترتبة عليه، فضلا عن المفاسد التي ربما تقع من استعمال هذا الحق.

ولذلك فأقول وبالله التوفيق:

المرأة التي عقد علها زوجها هي زوجته، ويحل له منها كل شيء، وإن مات ورثته ولها المهر كاملا، وإن ماتت ورثها.

لكن على من كان هذا حاله (عاقد للنكاح) ألا يدخل بزوجته حتى يصاحب الدخول إعلان عن هذا النكاح، ولا يحق له أن يطالب بهذا الأمر (الجماع)، وإن طلب ذلك من زوجته التي عقد عليها ولم يدخل بها فلا تمكنه من ذلك، لأن الإشهاد والإشهار مطلوب، وهو واجب عند المالكية، قال ابن رشد: وكذلك الإشهاد على عقد النكاح ليس بواجب على مذهب مالك – رَحِمَهُ اللَّهُ – وإنما يجب الإشهاد عند الدخول لنفي التهمة والظنة عن نفسه… (المقدمات الممهدات (2/ 279).

لماذا يمنع من التمكين قبل الدخول والإعلان؟

وهناك أمران يمنعان من مباشرة الوطء (الجماع) قبل الدخول والإعلان:

  • أن ذلك مخالف للعرف، ولا شك أن العرف معمول به ما لم يخالف نصا، وقد استدل العلماء للعرف بقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وتكاد تكون كل المذاهب الفقيهة آخذة بالعرف، ومما اشتهر من القواعد في ذلك: (العادة محكمة) و (المعروف عرفا كالمشروط شرطا) و (والثابت بالعرف كالثابت بالنص) و(العرف في الشرع له اعتبار… لذا عليه الحكمُ قد يُدار). ولا شك أن العرف الآن يمنع من ذلك الفعل، بل يعتبره أمرا مشينا، وإهانة في حق الولي، بل الزوج لا يستطيع أن يفاتح أهل زوجته في ذلك، ولكنه المرء يشكو زوجته إن امتنعت من ذلك بعد الدخول بها.
  • في الدخول قبل الإعلان مفاسد كثيرة، فقد يدخل بها ثم يُنكر، وقد يدخل بها ثم يموت، وقد يدخل بها ثم يطلق، وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى على أحد.

ونحن في زمان قلّ فيه التدين، وخف فيه الورع، وعلى المرأة المعقود عليها وغير المدخول بها أن تمنع زوجها من ذلك، والمنع هنا ليس للحرمة وإنما لما يترتب على ذلك من مفاسد، فهو من باب سدّ الذرائع، والله تعالى يقول: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108].

من السنة ألا نعرض أنفسنا لما يعتذر منه:

ولما كان العرف كذلك فقد أضحى هذا الأمر مما يعتذر منه، ومن السنة ألا يعرض المرء نفسه لما يعتذر منه، وقد روى الطبراني عن ابْن عُمَرَ، قال: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ وَاجْعَلْهُ مُوجَزًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَأْيَسْ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ تَكُنْ غَنِيًّا، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ» (حسنه الألباني) قال المناوي: معنى ” وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْه”: أَي احذر فعل مَا يحوج إِلَى الِاعتذار… (التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 90).

هذا والله تعالى أعلم

الفقير إلى عفو ربه

أكرم كساب

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*
*